بهذه الكلمات القليلة وصف لي صديق عزيز ذهب في بعثة لمدة عشرون يوما إلى ألمانيا.. بهذه الجمل المحدودة تلخص لي شكل مدينة تسير في وسط نظام محكم.. قد يربط البعض بين وصفي لالمانيا وما حدث مؤخرا لشهيدة الحجاب مروة الشربيني التي اعتدى عليها مجرم متعصب وصفها بالارهاب لكونها محجبة.. واهانها واستكمل إهانته داخل قاعة إحدى المحاكم الألمانية بتسديد 18 طعنه نافذة اودت بحياتها و12 طعنه لزوجها المصري الذي راح في غيبوبة وحالته حرجة لكنها مستقرة.. واستفاق على خبر الوفاة وهو شاعرا بعدم قدرته على حماية زوجته.. بعد أن اصيب بطلق ناري خطأ من رجل الأمن بالمحكمة.. البعض منا سيعتبر ما حدث هو هجوما على الاسلام.. و البعض الاخر سيعتبره هجوما فرديا من شخص غير مسئول ومن قاعة محكمة وهيئة قضائية فقدت السيطرة على كل شئ
ما أود أن اقوله أن الشارع الذي نسير فيه به رصيف يتراوح ارتفاعة بين 15 سم و20 سم॥ غير أن الرصيف مقسم بوضع اليد من قبل بعض اصحاب المحال التجارية الذين يعرضون بضاعتهم عليه.. بالاضافة الي الكوكتيل العجيب الذي نراه في الرصيف ذاته فمنهم من سرق شوية اسفلت اثناء عمليات سفلته الشارع ليضعهم امام محله ومنهم من وضع سيراميك بعد أن فرجها الله عليه.. غير أن منهم سرق حجرين بندورة ليضعهم في الشارع ليمنع ركن السيارات أمام دكانه
الرصيف موجود على جانبي طريق مملؤ بالمطبات والمنحدرات التي نتجت إما عن سوء رصف وسفلته أو عن قصد وعمد من بعض سكان الشارع ليهدأو من سرعة السيارات القادمة.. بالاضافة الي سوء التخطيط فنرى دوما البلوعات في منتصف الشارع.. ووسط غياب حكومي وجهات تنظيمية وتنفيذية اعتزمت ان تترك الحبل على الغارب.. بالاضافة الي ما يسمى بالتقفيصه التي نسير بداخلها جميعا.. نسير داخل اسوار من الحديد تشبة طرق المواشي في الزرايب.. الإنسان هو الإنسان لكن الحضارة التي بنيت على ارض غير ممهدة لن تستمر طويلا.. نتاج حضارتنا المعاصرة اننا أصبحنا وكأننا نمشي على شارع مملؤ بالمنحدرات والحفر والبقاليز والمطبات العشوائية.. إلا في الشوارع التي يمر منها عليه القوم من الوزراء وكبار رجال الدولة فهذه الشوارع هي الأوفر حظا.. من غيرها التي يسير فيها العامة والدهماء والمرتزقة.. التي يصفها البعض بالطبقة البرجوازية المتوسطة.. أو كما تصفها الحكومة بمحدودي الدخل
الدخل المحدود هو نتاج طبيعي لحفرة كبيرة وفجوة أكبر موجودة وظاهرة في الليل أكثر من النهار.. هذه الطبقة التي تعمل ما يقارب من 16 ساعة بشكل متواصل.. دون توقف مع الصراع اليومي في الركد خلف اوتوبيس شديد الازدحام.. أو للانحشار في مترو رائحته نتنه لأسباب كثيرة.. وسط كل هذا يرتفع مقدار البعض ويسمو على حساب هذه الفئة التي تنحشر معنا او ينفتق بنطاله في زحام اوتوبيس او بسبب مسمار موجودا في كرسي ميكروباص.. وسط ضجيج أغنية حقيرة كلماتها تصف حالة شخص يدخن الحشيش فيقول وشربت سيجارة بني حسيت دماغي بتاكلني.. لنفتقد إلى صوت رائع تربي عليه اجيال كان يقول وصفولي الصبر لقيته كلام.. وسط كل هذا الزخم والزحام والفوضي نشاهد مطب رائع على مطلع الدائري اما ان تهدئ من سرعتك وقد يصدمك أحد القادمين من الخلف او تأخذه مسرعا وربنا يسترها علينا
ما حدث مع هذه السيدة المصرية التي وصفت بالشهيدة في الصحف المصرية والعربية دون اي اهتمام اعلامي من المانيا البلد التي قتلت فيها.. نتاج طبيعي ومنطقي لسعر الانسان في بلد المعز لدين الله الفاطمي.. التي تحول إلى حالة من النسيان وسط شعب يعاني من غثيان رائحة مترو شديد الازدحام.. ووسط السعى خلف لقمة العيش التي راح ضحيتها العشرات في الطوابير وضاع فيها الساعات من عمر انسان كان من حقه أن يكون منتجا ونافعا لنفسه ولوطنه.. او يأكل خبزا مصنوعا من قمح فاسد رفضت المواشي اكله.. لكنه تقبل أن يقف طابورا طويلا.. ليحصل على عشرة ارغفة مغمورا فيها مسامير وقطع زجاج.. ليأكل هو وأسرته.. ويبلع بماء يصيبه بفشل كلوي.. أو على الاقل حصاوي في المثانة.. المنطق يقول أن عدم احترام دولة لشعبها لا يحتم على أي دولة اخرى ان تحترم شعبا يعاني من الذل والمهانة والقهر بالرغم من انه ينطبق عليه وبكل صدق ارحموا عزيز قوم ذل
وسط صراع التوك توك.. وزحام ميكروباص متهالك ينحشر فيه على الاقل 15 شخصا لا يفكرون سوى في الوصول قبل رفع دفتر التوقيع.. قبل أن يفكروا في اداميتهم التي تناسوها.. مع ادخنة سيجارة.. أو ادخنة عوادم سيارة تسير أمامهم متهالكة ايضا.. وسط كل هذه المنظومة الفاسدة نحيا ونبتسم ونرقص حين يفوز المنتخب على أى حد.. ودمنا ينحرق حين نخسر مباراة كرة قدم.. دون أن نلحظ اننا كل يوم نخسر يوما من حياتنا سنحاسب عليه.. كل دقيقة تمر وانت متوقف في طابور البنزين 80 أو الخبز المدعوم.. أو أي شئ سخرت منا سلطاتنا وأكدت أنه مدعوما.. بالرغم ما ندفعة من عمر ودم كل يوم على طريق سريع يطيح على الاقل بـ 30 فقيدا إما بسبب سوء الطريق أو بسبب سوء الطريق
مصر وحشتني وانا اعيش فيها.. افتقد مصر التي كانت ترتدي ثوبا مهندما.. افتقد شعب كان قلبه على بعض.. افتقد رائحة عطرة تفوح من شجر الفل في شوارع مصر الجديدة والزيتون والظاهر والعباسية.. بدلا من رائحة القمامة والناموس الذي اجتاح مصر كلها.. بدلا من اكوام تملاء انوفنا بروائح نتنه لا تختلف كثيرا عن ما نستنشقه منا نحن.. فلقد سلبنا.. وفقدان رائحة الانسان وما نستنشقه هو رائحة جثثنا.. كفي كلاما لانه لن يغير شئ
No comments:
Post a Comment