الاختيار
اتذكر دوماً السؤال الذي كان موجوداً في اختبارات اللغة العربية في الصف الابتدائي (رتب الكلمات التالية للحصول على جملة مفيدة) الغريب أنني كنت دوماً ارتب الكلمات وأحصل على جملة مفيدة لكنها مختلفة عن الكثيرين من زملائي وبنفس الكلمات "اصلها مش هتفرق كتير لو قلنا الحكومة المصرية أو قلنا بفضل توجيهات الحزب الحاكم أو بفضل توجيهات الحزب الوطني الديمقراطي".
الغريب من ترتيب الكلمات هو أنني تابعت عن كثب - باهتمام يعني - الإعلانات التي تم ترويجها قبل انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى والتي تمت منذ أيام في كافة محافظات مصر.. شارك في الحملة عدد كبير من الفنانين وعلى رأسهم يسرا وهشام سليم والمطرب خالد سليم والكابتن حسام البدري والمخرجة ساندرا نشأت والكابتن نادر السيد.. وغيرهم من المشاهير والمجهولين، وعلى رأس المجهولين شخصيتان تحتاجان لتسليط الضوء عليهما، الأولي هي السيدة المصرية المواطنة اللي قالت "مدخلتش كلية أعمل إيه".. والثاني هو الرجل الصريح جدا اللي قال "مراتي هى اللي بتفرض عليا الأكل".. ولم نستطع إغفال ظهور التوأمين اللذين يُذكراني بإعلان حمزاوي على شاشة فضائيات ميلودي وهو يقول لهما "أنا شايف حاجتين زي بعض".
اكثر ما اثار انتباهي ايضا أن هؤلاء سواء كانوا مشاهير او مجهولين قاموا باختيار بعض الاشياء التي تعتبر عادية جدا ولا يمكن أن تكون على الاطلاق من الاشياء الاساسية التي يمكن اعتبارها اختيارا لان كونك تختار فذلك يعني قدرتك على الرفض وليس فقط قدرتك على الاختيار.
فالفلاح الذي امتنع عن زراعة الارز لم يختر زراعة الذرة بدلاً منه، ومن قتل نفسه لم يختر الحياة الكريمة وفضل عنها الانتحار، والمزارع الفقير الذي لجأ إلى مياه المجاري لم تكن لديه القدرة على اختيار مياه النيل الملوثة ليزرع بها ثماره المسرطنة.. والصانع لم يقم باختيار تصنيع انواع رديئة بدلا من الجيدة وذات الكفاءة العالمية، والمستورد لم يجد التجارة البديلة غير المنتجات الصينية ذات العمر الافتراضي المنتهي، والموظف لم يختر أن يكون مهملاً في عمله، فالحياة الكريمة هى الاساس مما لا شك فيه، والحياة الملوثة لم تكن يوما اختيارا فهل منا من لديه الاختيار ليختار من ينوب عنه.
فالرصد المبدئي للانتخابات سجل العديد من الاحداث المخزية والتزوير وعمليات البلطجة التي تتكرر دوما في كافة الانتخابات كما تم استحداث اسلوب جديد وهو الاشراف القضائي على اللجان الرئيسية فقط، بينما يشرف على اللجان الانتخابية الاخرى مجموعة من موظفي التربية والتعليم والوزارات المختلفة مما يفتح الباب ليصبح هناك مجال للشك أوسع من الإشراف القضائي الذي يتسم بثقة الشعب المصري.تم نشر هذا المقال في موقع جود نيوز يوم 3/6/2010
http://www.gn4me.com/gn4me/details.jsp?artId=3755162&catId=54226&sec=articles